التيارات المنعكسة في زماننا..

عاصفة هوجاء عصفت بالأخضر واليابس، جردت الكاسي من ردائه، وغيبت الروح عن الجسد، ولم ترحم صغيراً ولا كبيراً، يميزها أنها تنوء بمن فيها بعيداً عن ثبات الحال وكمالة الوعي، تسيّرها أيدٍ ظاهرة وليست خفية كما كان سابقاً، بل هي أيدٍ جريئة ومغامرة تفصح عن مرادها وتخفي خوفها وترددها.

كان لها الأثر البالغ في حرماننا من أفضليات التاريخ خلال العقود الماضية، فحرمنا من الحضارة وقتاً طويلاً، عشنا خلالها سباتاً عميقاً، حلمنا فيه بالانجازات الحضارية، ورأيناها تتحقق في أذهاننا، صدّقنا ذلك الوهم عبر حدود إدراكنا الضيقة والتي صنعها أقوام أغفلوا دور التاريخ في صياغة وعي الأمم.

لقد عجزوا عن تسخير موارد المكان وفرص الزمان لتقليص الهوة بين أعلى الهرم وأدناه، فنشأت الأزمة في المستويات الدنيا، صراعات وتأزمات، أصبحت الرؤية نتيجتها مشوشة والإدراك قاصر، والحالة مستقرة ظاهرياً، لكن القدر يغلي من الداخل، وساعة الثوران غير مؤقتة لكنها يقينية.

وهانحن نعيش فكراً جديداً، فكراً اجتماعياً مفككاً، وفكراً اقتصادياً مهدداً، وفكراً ثقافياً غرق في مستنقع الجهالة، فكرٌ تتحكم فيه آيدولوجيات خارجية صنعت تيارات متصارعة، تهوى الصراع وتكره العوامل المشتركة، ونحن- للأسف- عالقين دون وعيٍ منا في جسد تلك التيارات نمتص من قشرتها الخارجية عصارة العولمة الصفراء.

بئساً للفكر العالق في جسد التيارات المؤدلجة، ماذا جنينا منها سوى صراعات داخلية شوهت فطرتنا، حتى أصبحنا نلبس يوماً ثوب مواطن ويوماً نلبس مشلح شيخ ويوماً آخر لبوس متحرر، نعيش فيها شخصياتنا المصطنعة ظانين بقاءنا في حيز التقدير.

وأنت يا وطني، يا جميل العطايا ويا عظيم القلب والروح، كم حملوك الكثير، جعلوا من إسلاميتك تصنعاً، ومن تعدديتك تناقضاً، وحكموا عليك برجعية المعتقد وهزالة التمدن، ومن هم هؤلاء!!! إنهم أبناؤك، ومن يأكل من خيراتك، ويلتحف أمانك.

فلم يبق لنا يا وطني إلا أن نشفق على أنفسنا نحن، فقد عشنا عقوداً نشاهد الأحداث، نتابع باهتمام تحركات العالم وكأننا لسنا من هذا العالم، لا نشارك إلا بصوتنا، فأصبحنا ظاهرة صوتية ناقدة، نتفنن في نقد وضع قائم أو حركة جديدة في مسيرة التقدم والازدهار.

ويبقى أن ينتفض الغيورون، ليوقفوا مهزلة التيارات المتصارعة، ويفككوا مفاصلها ويدمجوا رؤاها الصالحة، ويحركوا ساكن تشريعنا، فهو من سيطفئ حريق الاحتكاك.

فالعالم لا يرحم ولكنه يحترم فقط....

الله يحفظ بلادنا من كل شر وسوء

التيارات المنعكسة في زماننا.. 1270918230

اللهم سخر لأبو متعب البطانة الصالحة التي تأخذ بيده الى الخير

» الطاقات المهدرة في زماننا..